لا يمكن تجاهل الدعوة التي أطلقها رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران، والتي طالب فيها بشكل مباشر، وإن دون تسمية، باستقالة وزير في الحكومة الحالية، متهمًا إياه بالغش في وثيقة رسمية لتخفيض القيمة المصرح بها لعقار، وبالتالي التهرب من الضرائب المستحقة.
الاتهام ثقيل، لأنه لا يمس فقط بتصرف إداري، بل يضرب في صميم ما يفترض أن تكون عليه النزاهة الشخصية لمن يتولى حقيبة العدل تحديدًا.
غير أن الوزير المعني، عبد اللطيف وهبي، لم يلتزم الصمت، بل خرج مدافعًا عن نفسه في حوار صحافي، موضحًا أن العملية موضوع الجدل تتعلق بهبة لفائدة زوجته، التي لا تعمل، وذلك في إطار ما يُعرف فقهيًا واجتماعيًا بـ"الكد والسعاية"، أي تثمين العمل المنزلي.
وهبي أوضح أن العقار لم يتم بيعه ليحقق أرباحًا بل تم تفويته بشكل مجاني، مما يعطيه، حسب رأيه، حرية تقدير قيمته كيفما يشاء.. الرجل أكد، أيضا، استعداده للمحاسبة إن ثبت أنه جنى أرباحًا ولم يصرح بها.
وبعيدًا عن السجال السياسي والاتهامات المتبادلة، من المفيد أن نعود إلى القانون، الذي يفترض أن يكون الفيصل في مثل هذه القضايا، خصوصًا إذا كانت تتعلق بمسؤول عمومي.
فالقانون المغربي يمنح في حالات الهبة بين الأقارب من الدرجة الأولى، ومنهم الأزواج، امتيازات ضريبية واضحة: حرية في تقدير قيمة العقار، ورسوم تسجيل مخفضة بنسبة 1.5% بدل 4%، وإعفاء تام من الضريبة على الأرباح العقارية، دون أي إمكانية للمراجعة الضريبية.
بمعنى آخر، من الناحية القانونية، فإن عملية الهبة، على الأقل، كما وصفها الوزير، تظل سليمة من الناحية الشكلية والضريبية.
لكن هل يكفي احترام القانون وحده لإغلاق هذا الملف؟ هنا يدخل عنصر الأخلاق السياسية، أو ما يسمى في الديمقراطيات العريقة بـ"المشروعية الأخلاقية".
فأن يمنح وزير عدل زوجته عقارًا بقيمة مليارية، مع تسجيله بقيمة منخفضة، ولو بشكل قانوني، يطرح أسئلة مشروعة حول الحوكمة والشفافية، بل يضعف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
ربما لا يكون وهبي قد خالف القانون، لكن هذا لا يعفيه من تبرير اختياراته أمام الرأي العام، خصوصًا وهو يتولى حقيبة ترتبط بمفهوم العدالة والنزاهة والمساءلة.
في النهاية، بين منطق القانون الجامد ومنطق الأخلاق المتغيّر، تبقى المسافة قائمة، وما قد تحتاجه السياسة اليوم في المغرب ليس فقط الامتثال للنص، بل الإقناع بالسلوك.
